المورد الذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء المحضرون في سبيل الله، ثم تذكر ما لهذا الانفاق من عظيم الاجر عند الله.
وبالجملة الآيات تدعو إلى الانفاق، وتبين أولا وجهه وغرضه وهو ان يكون لله لا للناس، وثانيا صورة عمله وكيفيته وهو ان لا يتعقبه المن والأذى، وثالثا وصف مال الانفاق وهو ان يكون طيبا لا خبيثا، ورابعا نعت مورد الانفاق وهو ان يكون فقيرا احصر في سبيل الله، وخامسا ما له من عظيم الاجر عاجلا وآجلا (كلام في الانفاق) الانفاق من أعظم ما يهتم بأمره الاسلام في أحد ركنية وهو حقوق الناس وقد توسل إليه بأنحاء التوسل ايجابا وندبا من طريق الزكاة والخمس والكفارات المالية وأقسام الفدية والانفاقات الواجبة والصدقات المندوبة، ومن طريق الوقف والسكنى والعمري والوصايا والهبة وغير ذلك.
وانما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة التي لا تستطيع رفع حوائج الحياة من غير إمداد مالي من غيرهم، ليقرب أفقهم من أفق أهل النعمة والثروة، ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية بالجمال والزينة في مظاهر الحياة بما لا يقرب من المعروف ولا تناله أيدي النمط الأوسط من الناس، بالنهي عن الاسراف والتبذير ونحو ذلك.
وكان الغرض من ذلك كله ايجاد حياة نوعية متوسطة متقاربة الا جزاء متشابهة الابعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادة وأضغان القلوب ومنابت الأحقاد، فإن القرآن يرى أن شأن الدين الحق هو تنظيم الحياة بشؤونها، وترتيبها ترتيبا يتضمن سعادة الانسان في العاجل والأجل، ويعيش به الانسان في معارف حقة، واخلاق فاضلة، وعيشة طيبة يتنعم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادة.
ولا يتم ذلك إلا بالحياة الطيبة النوعية المتشابهة في طيبها وصفائها، ولا يكون ذلك إلا بإصلاح حال النوع برفع حوائجها في الحياة، ولا يكمل ذلك إلا بالجهات