من الفضيلة رجح سبحانه جانب صدقة السر فقال: وان تخفوها وتعطوها الفقراء فهو خير لكم فإن كلمة خير أفعل التفضيل، والله تعالى خبير بأعمال عباده لا يخطئ في تمييز الخير من غيره، وهو قوله تعالى: والله بما تعملون خبير.
قوله تعالى: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء، في الكلام التفات عن خطاب المؤمنين إلى خطاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكأن ما كان يشاهده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فعال المؤمنين في صدقاتهم من اختلاف السجايا بالاخلاص من بعضهم والمن والأذى والتثاقل في إنفاق طيب المال من بعض مع كونهم مؤمنين أوجد في نفسه الشريفة وجدا وحزنا فسلاه الله تعالى بالتنبيه على أن أمر هذا الايمان الموجود فيهم والهدى الذي لهم إنما هو إلى الله تعالى يهدي من يشاء إلى الايمان وإلى درجاته، وليس يستند إلى النبي لا وجوده ولا بقائه حتى يكون عليه حفظه، ويشنق من زواله أو ضعفه، أو يسوئه ما آل إليه الكلام في هذه الآيات من التهديد والايعاد والخشونة.
والشاهد على ما ذكرناه قوله تعالى:، هداهم، بالتعبير بالمصدر المضاف الظاهر في تحقق التلبس. على أن هذا المعنى أعني نفى استناد الهداية إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإسناده إلى الله سبحانه حيث وقع في القرآن وقع في مقام تسلية النبي وتطييب قلبه.
فالجملة أعني قوله: ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء جملة معترضة اعترضت في الكلام لتطييب قلب النبي بقطع خطاب المؤمنين والاقبال عليه صلى الله عليه وآله، نظير الاعتراض الواقع في قوله تعالى: " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه الآيات " القيمة - 17. فلما تم الاعتراض عاد إلى الأصل في الكلام من خطاب المؤمنين.
قوله تعالى: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله " إلى آخر الآية " رجوع إلى خطاب المؤمنين بسياق خال عن التبشير والانذار والتحنن والتغيظ معا، فإن ذلك مقتضى معنى قوله تعالى: ولكن الله يهدي من يشاء كما لا يخفى.
فقصر الكلام على الدعوة الخالية بالدلالة على أن ساحة المتكلم الداعي منزهة عن الانتفاع بما يتعقب هذه الدعوة من المنافع، وإنما يعود نفعه إلى المدعوين، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم لكن لا مطلقا بل في حال لا تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، فقوله: ولا تنفقون إلا ابتغاء وجه الله حال، من ضمير الخطاب وعامله متعلق الظرف أعني قوله: