والابصار والأفئدة " النحل - 78، وقال تعالى: " وعلم آدم الأسماء كلها " البقرة - 31، وقد اختار تعالى لهذا النوع سنخ وجود يقبل الارتباط بكل شئ، ويستطيع الانتفاع من كل أمر، أعم من الاتصال أو التوسل به إلى غيره بجعله آلة وأداة للاستفادة من غيره، كما نشاهده من عجيب احتيالاته الصناعية، وسلوكه في مسالكه الفكرية، قال تعالى: " خلق لكم ما في الأرض جميعا " البقرة - 29، وقال تعالى: " وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعا منه " الجاثية - 13، إلى غير ذلك من الآيات الناطقة بكون الأشياء مسخرة للانسان.
(علومه العملية) وأنتجت هاتان العنايتان: أعني قوة الفكر والادراك ورابطة التسخير عناية ثالثة عجيبة وهي ان يهيئ لنفسه علوما وإدراكات يعتبرها اعتبارا للورود في مرحلة التصرف في الأشياء وفعلية التأثير والفعل في الموجودات الخارجة عنه للانتفاع بذلك في حفظ وجوده وبقائه.
توضيح ذلك: انك إذا خليت ذهنك وأقبلت به على الانسان، هذا الموجود الأرضي الفعال بالفكر والإرادة، واعتبرت نفسك كأنك أول ما تشاهده وتقبل عليه وجدت الفرد الواحد منه انه في أفعاله الحيوية يوسط إدراكات وافكار جمة غير محصورة يكاد يدهش من كثرتها واتساع اطرافها وتشتت جهاتها العقل، وهي علوم كانت العوامل في حصولها واجتماعها وتجزيها وتركبها الحواس الظاهرة والباطنة من الانسان، أو تصرف القوة الفكرية فيها تصرفا ابتدائيا أو تصرفا بعد تصرف، وهذا أمر واضح يجده كل إنسان من نفسه ومن غيره لا يحتاج في ذلك إلى أزيد من تنبيه وإيقاظ.
ثم إذا كررت النظر في هذه العلوم والادراكات وجدت شطرا منها لا يصلح لان يتوسط بين الانسان وبين أفعاله الإرادية كمفاهيم الأرض والسماء والماء والهواء والانسان والفرس ونحو ذلك من التصورات، وكمعاني قولنا: الأربعة زوج، والماء جسم سيال، والتفاح أحد الثمرات، وغير ذلك من التصديقات، وهي علوم وإدراكات تحققت عندنا من الفعل والانفعال الحاصل بين المادة الخارجية وبين حواسنا وأدواتنا الادراكية، ونظيرها علمنا الحاصل لنا من مشاهدة نفوسنا وحضورها لدينا