فائدة إلى الأعم، فعليها يكون العفو منه تعالى هو إذهاب اثر الذنب وإمحائه كالعقاب المكتوب على المذنب، والمغفرة هي إذهاب ما في النفس من هيئة الذنب والستر عليه، والرحمة هي العطية الإلهية التي هي الساترة على الذنب وهيئته.
وعطف هذه الثلاثة أعني قوله: واعف عنا واغفر لنا وارحمنا على قوله: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا على ما للجميع من السياق والنظم يشعر: بأن المراد من العفو والمغفرة والرحمة ما يتعلق بذنوبهم من جهة الخطأ والنسيان ونحوها. ومنه يظهر ان المراد بهذه المغفرة المسؤولة هيهنا غير الغفران المذكور في قوله: غفرانك ربنا فإنه مغفرة مطلقة في مقابلة الإجابة المطلقة على ما تقدم وهذه مغفرة خاصة في مقابل الذنب عن نسيان أو خطأ، فسؤال المغفرة غير مكرر.
وقد كرر لفظ الرب في هذه الأدعية أربع مرات لبعث صفة الرحمة بالايماء والتلويح إلى صفة العبودية فإن ذكر الربوبية يخطر بالبال صفة العبودية والمذلة.
قوله تعالى: أنت مولينا فانصرنا على القوم الكافرين، استيناف ودعاء مستقل، والمولى هو الناصر لكن لاكل ناصر بل الناصر الذي يتولى أمر المنصور فإنه من الولاية بمعنى تولى الامر، ولما كان تعالى وليا للمؤمنين فهو موليهم فيما يحتاجون فيه إلى نصره، قال تعالى: " والله ولي المؤمنين " آل عمران - 68، وقال تعالى: " ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وان الكافرين لا مولى لهم: محمد - 11.
وهذا الدعاء منهم يدل على أنهم ما كان لهم بعد السمع والطاعة لأصل الدين هم الا في إقامته ونشره والجهاد لاعلان كلمة الحق، وتحصيل اتفاق كلمة الأمم عليه، قال تعالى: " قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين " يوسف - 108، فالدعوة إلى دين التوحيد هو سبيل الدين وهو الذي يتعقب الجهاد والقتال والامر بالمعروف والنهى عن المنكر وسائر أقسام الدعوة والانذار، كل ذلك لحسم مادة الاختلاف من بين هذا النوع، ويشير إلى ما به من الأهمية في نظر شارع الدين قوله تعالى: " شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه " الشورى - 13، فقولهم أنت مولينا فانصرنا يدل على جعلهم الدعوة العامة في الدين أول ما يسبق إلى أذهانهم بعد عقد القلب على السمع والطاعة، والله أعلم.
والحمد لله