والنزول هو الورود على المحل من العلو، والفرق بين الانزال والتنزيل أن الانزال دفعي والتنزيل تدريجي، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم باعتبار كونه مقروا كما قال تعالى (انا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون): الزخرف، - 3، ويطلق على مجموع الكتاب وعلى أبعاضه.
والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان، وقد قال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا،): الاسراء - 106، وهو ظاهر في نزوله تدريجا في مجموع مدة الدعوة وهي ثلث وعشرون سنة تقريبا، والمتواتر من التاريخ يدل على ذلك، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي بين الآيتين.
وربما أجيب عنه: بأنه نزل دفعة على سماء الدنيا في شهر رمضان ثم نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجوما وعلى مكث في مدة ثلث وعشرين سنة - مجموع مدة الدعوة - وهذا جواب مأخوذ من الروايات التي سننقل بعضها في البحث عن الروايات.
وقد أورد عليه: بأن تعقيب قوله تعالى: أنزل فيه القرآن بقوله: هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، لا يساعد على ذلك إذ لا معنى لبقائه على وصف الهداية والفرقان في السماء مدة سنين.
وأجيب: بأن كونه هاديا من شأنه أن يهدي من يحتاج إلى هدايته من الضلال وفارقا إذا التبس حق بباطل لا ينافي بقائه مدة على حال الشأنية من غير فعليه التأثير حتى يحل أجله ويحين حينه، ولهذا نظائر وأمثال في القوانين المدنية المنتظمة التي كلما حان حين مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إلى الفعل.
والحق ان حكم القوانين والدساتير غير حكم الخطابات التي لا يستقيم ان تتقدم على مقام التخاطب ولو زمانا يسيرا، وفي القرآن آيات كثيرة من هذا القبيل كقوله تعالى: (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) المجادلة - 1، وقوله تعالى: (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما) الجمعة - 11، وقوله تعالى: (رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) الأحزاب - 23، على أن في القرآن ناسخا