ضلال من الفكر فإن مغفرة الله والزيادة التي ذكرها في الآيات السابقة انما هما في البذل من طيبات المال.
فقوله تعالى: والله يعدكم " الخ "، نظير قوله: الشيطان يعدكم " الخ "، من قبيل وضع السبب موضع المسبب، وفيه القاء المقابلة بين وعد الله سبحانه الواسع العليم ووعد الشيطان، لينظر المنفقون في أمر الوعدين ويختاروا ما هو أصلح لبالهم منهما.
فحاصل حجة الآية: ان اختياركم الخبيث على الطيب انما هو لخوف الفقر، والجهل بما يستتبعه هذا الانفاق، أما خوف الفقر فهو القاء، شيطاني، ولا يريد الشيطان بكم الا الضلال والفحشاء فلا يجوز ان تتبعوه، واما ما يستتبعه هذا الانفاق فهو الزيادة والمغفرة اللتان ذكرتا لكم في الآيات السابقة، وهو استتباع بالحق لان الذي يعدكم استتباع الانفاق لهذه المغفرة والزيادة هو الله سبحانه ووعده حق، وهو واسع يسعه ان يعطي ما وعده من المغفرة والزيادة وعليم لا يجهل شيئا ولا حالا من شئ فوعده وعد عن علم.
قوله تعالى: يؤتي الحكمة من يشاء، الايتاء هو الاعطاء، والحكمة بكسر الحاء على فعلة بناء نوع يدل على نوع المعنى فمعناه النوع من الاحكام والاتقان أو نوع من الامر المحكم المتقن الذي لا يوجد فيه ثلمة ولا فتور، وغلب استعماله في المعلومات العقلية الحقة الصادقة التي لا تقبل البطلان والكذب البتة.
والجملة تدل على أن البيان الذي بين الله به حال الانفاق بجمع علله وأسبابه وما يستتبعه من الأثر الصالح في حقيقة حياة الانسان هو من الحكمة، فالحكمة هي القضايا الحقة المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الانسان كالمعارف الحقة الإلهية في المبدأ والمعاد، والمعارف التي تشرح حقائق العالم الطبيعي من جهة مساسها بسعادة الانسان كالحقائق الفطرية التي هي أساس التشريعات الدينية.
قوله تعالى: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا، المعنى ظاهر، وقد أبهم فاعل الايتاء مع أن الجملة السابقة عليه تدل على أنه الله تبارك وتعالى ليدل الكلام على أن الحكمة بنفسها منشأ الخير الكثير فالتلبس بها يتضمن الخير الكثير، لامن جهة انتساب اتيانه إليه تعالى، فإن مجرد انتساب الاتيان لا يوجب ذلك كإيتاء المال،