لقبله فهو من الكبائر، وأنه لا يقبل التوبة، ويتأيد بذلك ما وردت به الروايات: أن التوبة في حقوق الناس غير مقبولة إلا برد الحق إلى مستحقه، وأنه لا يقبل الشفاعة يوم القيامة كما يدل عليه قوله تعالى: " إلا أصحاب اليمين في جنات يتسائلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين إلى أن قال:
فما تنفعهم شفاعة الشافعين " المدثر - 48.
وثالثا: أن هذا الظالم غير مرتضى عند الله إذ لا شفاعة إلا لمن ارتضى الله دينه كما مر بيانه في بحث الشفاعة، ومن هنا تظهر النكتة في قوله تعالى: ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله، حيث أتى بالمرضاة ولم يقل ابتغاء وجه الله.
ورابعا: أن الامتناع من أصل انفاق المال على الفقراء مع وجودهم واحتياجهم من الكبائر الموبقة، وقد عد تعالى الامتناع عن بعض أقسامه كالزكاة شركا بالله وكفرا بالآخرة، قال تعالى: " ويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون " فصلت - 7، والسورة مكية ولم تكن شرعت الزكاة المعروفة عند نزولها.
قوله تعالى: إن تبدوا الصدقات فنعما هي " الخ "، الابداء هو الاظهار، والصدقات جمع صدقة، وهي مطلق الانفاق في سبيل الله أعم من الواجب والمندوب وربما يقال: إن الأصل في معناها الانفاق المندوب.
وقد مدح الله سبحانه كلا من شقى الترديد، لكون كل واحد من الشقين ذا آثار صالحة، فأما اظهار الصدقة فإن فيه دعوة عملية إلى المعروف، وتشويقا للناس إلى البذل والانفاق، وتطييبا لنفوس الفقراء والمساكين حيث يشاهدون أن في المجتمع رجالا رحماء بحالهم، وأموالا موضوعة لرفع حوائجهم، مدخرة ليوم بؤسهم فيؤدي إلى زوال اليأس والقنوط عن نفوسهم، وحصول النشاط لهم في أعمالهم، واعتقاد وحدة العمل والكسب بينهم وبين الأغنياء المثرين، وفي ذلك كل الخير، وأما اخفائها فإنه حينئذ يكون أبعد من الرياء والمن والأذى، وفيه حفظ لنفوس المحتاجين عن الخزي والمذلة، وصون لماء وجوههم عن الابتذال، وكلائة لظاهر كرامتهم، فصدقة العلن أكثر نتاجا، وصدقة السر أخلص طهارة.
ولما كان بناء الدين على الاخلاص وكان العمل كلما قرب من الاخلاص كان أقرب