بذل ما أريد بذله، وبهذا المعنى يطلق عليه سبحانه، فهو سبحانه واسع أي غني لا يعجزه بذل ما أراد بذله بل يقدر على ذلك.
قوله تعالى: وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم، التابوت هو الصندوق، وهو على ما قيل فعلوت من التوب بمعنى الرجوع لان الانسان يرجع إلى الصندوق رجوعا بعد رجوع.
(كلام في معنى السكينة) والسكينة من السكون خلاف الحركة وتستعمل في سكون القلب وهو استقرار الانسان وعدم اضطراب باطنه في تصميم إرادته على ما هو حال الانسان الحكيم (من الحكمة باصطلاح فن الأخلاق) صاحب العزيمة في أفعاله، والله سبحانه جعلها من خواص الايمان في مرتبة كماله، وعدها من مواهبه السامية.
بيان ذلك: ان الانسان بغريزته الفطرية يصدر أفعاله عن التعقل، وهو تنظيم مقدمات عقلية مشتملة على مصالح الافعال، وتأثيرها في سعادته في حياته والخير المطلوب في اجتماعه، ثم استنتاج ما ينبغي ان يفعله وما ينبغي أن يتركه.
وهذا العمل الفكري إذا جرى الانسان على أسلوب فطرته ولم يقصد إلا ما ينفعه نفعا حقيقيا في سعادته يجري على قرار من النفس وسكون من الفكر من غير اضطراب وتزلزل، وأما إذا أخلد الانسان في حياته إلى الأرض واتبع الهوى اختلط عليه الامر، وداخل الخيال بتزييناته وتنميقاته في أفكاره وعزائمه فأورث ذلك انحرافه عن سنن الصواب تارة، وتردده واضطرابه في عزمه وتصميم إرادته وإقدامه على شدائد الأمور وهزاهزها أخرى.
والمؤمن بإيمانه بالله تعالى مستند إلى سناد لا يتحرك وركن لا ينهدم. بانيا أموره على معارف حقة لا تقبل الشك والريب، مقدما في أعماله عن تكليف الهي لا يرتاب فيها، ليس إليه من الامر شئ حتى يخاف فوته، أو يحزن لفقده، أو يضطرب في تشخيص خيره من شره.