تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٨٤
يشاهد ولا يعاينه، فالايمان لا يكون عن المؤمن إلا عن غيبه، سواء كان تقليدا أو نظرا أو استدلالا، فإذا ارتفع عن درجة الايمان كان عارفا مشاهدا.
ولهذا فرق جبرئيل بين درجة الايمان وما فوقه عند سؤاله النبي (صلى الله عليه وآله)، حيث قال: يا محمد، أخبرني ما الايمان وما فوقه؟ قال (عليه السلام):
الايمان أن تؤمن بالله والملائكة والكتب والنبيين وتؤمن بالقدر كله. ثم قال: يا محمد، أخبرني ما الاحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك (1)

(١) رواه جل أئمة الحديث بعبائر مختلفة وأسانيد متعددة، ونحن ننقل بعض أحاديثه مبسوطا من جامع الأصول لابن الأثير، ففيها إشارة إلى الأحاديث الاخر.
يحيى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهني، فانطلقت وحميد بن عبد الرحمن الحميري - حاجين أو معتمرين - فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر؟ فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه داخل المسجد، فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي، فقلت:
أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرؤون القرآن ويتفقرون العلم، وذكر من شأنهم وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الامر أنف، فقال: إذا لقيت أولئك فأخبرهم: أني برئ منهم وأنهم براء مني، والذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني أبي عمر بن الخطاب قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم) ذات يوم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، وقال يا محمد، أخبرني عن الاسلام؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم):
الاسلام أن تشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان و تحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت فعجبنا له يسأله ويصدقه قال: فأخبرني عن الايمان؟
قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال: صدقت، قال:
فأخبرني عن الاحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أمارتها؟ قال: أن تلد الأمة رتبها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق، فلبث مليا، ثم قال لي: يا عمر، أتدري من السائل؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنه جبرئيل أتاكم يعلمكم دينكم.
جامع الأصول لابن الأثير: ج 1، الفصل الأول من الباب الأول من الكتاب الأول، في الايمان والاسلام ص 128.
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست