ولا يخفى على المتأمل أن ذلك الجعل لا يقتضي صحة الحمل على الصفات الذاتية، بل يقتضي صحة إطلاق لفظ الحمد على الثناء على صفاته تجوزا، وأين أحدهما عن الآخر.
وحقيقته عند العارفين إظهار كمال المحمود قولا أو فعلا أو حالا، سواء كان ذلك الكمال اختياريا أو غير اختياري، والشكر مقابلة النعمة قولا وعملا واعتقادا، قال:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة * يدي ولساني والضمير المحجبا - فهو أعم منهما من وجه، وأخص من آخر.
ولما كان الحمد من شعب الشكر أشيع للنعمة وأدل على مكانها، لخفاء الاعتقاد وما في آداب الجوارح من الاحتمال، جعل رأس الشكر والعمدة فيه، فقال (عليه السلام): الحمد لله رأس الشكر، ما شكر الله من لم يحمده (1).
والذم نقيض الشكر، ورفعه بالابتداء وخبره لله، وأصله النصب وقد قرئ به.
وإنما عدل به إلى الرفع دلالة على الدوام والثبات. وقرئ " الحمد لله " باتباع الدال اللام وبالعكس، تنزيلا لهما لكثرة استعمالهما معا بمنزلة كلمة واحدة، كقولهم:
منحدر الجبل ومغبره.
واللام فيه لتعريف الجنس، وهو الإشارة إلى ما يعرفه كل أحد من معنى الحمد، بناء على أن الاختصاص يكون حينئذ مستفادا من جوهر الكلام من غير استعانة بالأمور الخارجة، ويكون مستلزما لاختصاص جميع الافراد، و للاستغراق بناء على أن المتبادر إلى الذهن من المحلى بلام الجنس في المقامات الخطابية هو الاستغراق، وهو الشائع في الاستعمال، وحينئذ يكون اختصاص الافراد مصرحا به.
فإن قلت: لا يصح تخصيص جنس الحمد ولا تخصيص أفراده به، فإن خلق