وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها، أفحقا كان ما كنت عليه، فقد تركته إلى باطل فإن ما يخالف الحق فهو باطل، أو كان باطلا فقد كنت عليها طول المدة، فلا يؤمننا أن تكون الآن على باطل؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): بل كان ذلك حقا وهذا حق، يقول الله تعالى: " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به، وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده وقصده إلى مصالحكم.
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): لقد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم به في سائر الأيام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى حق، أو الباطل إلى باطل، أو الحق إلى الحق، قولوا: كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم، قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق، ثم قبلة الكعبة في وقتها حق، فقالوا يا محمد: فبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس وحين نقلك إلى الكعبة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما بدا له عن ذلك فإنه العالم بالعواقب والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا ولا يستحدث رأيا بخلاف المتقدم جل عن ذلك، ولا يقع عليه أيضا مانع يمنعه عن مراده، وليس يبدو إلا لمن كان هذا صفته، وهو جل وعز يتعالى عن هذه الصفات علوا كبيرا.
ثم قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض، أبدا له في ذلك؟ أليس يحيي ويميت، أبدا له في كل واحد من ذلك؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبد نبيه بالصلاة إلى الكعبة بعد أن كان تعبد بالصلاة إلى بيت المقدس، وما بدا له في الأول. قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف والصيف بعد الشتاء، أبدا له في كل واحد من ذلك؟