وذلك من أجل الأمور المجعولة له والمنوطة به، فكيف يمكن السائل حمل القول في الآية على ما ظنه مع ما ذكرناه!
فالمراد إذن بقوله تعالى: (ليس لك من الامر شئ)، أي: لست بمالك شيئا من عقابهم، أو ثوابهم، أو استئصالهم، أو استصلاحهم، أو تدبير مصالحهم في أوقاتها، أو تقديم آجالهم أو تأخيرها، أو المعرفة بما تصلح عليه أحوالهم في الدين، أو تفسد من تبقية مع كفر، لانتظار إيمان، أو اخترام مع ايمان لعاقبة ضلال، وما يجري مجرى ذلك، وكان صلى الله عليه وآله إذا رأى من الكفار التشدد في تكذيبه، والمبالغة في إطفاء نوره، سأل الله تعالى أن يأذن له في الدعاء عليهم بالاستئصال وتعجيل العذاب، على عادة الأنبياء قبله، فقال الله تعالى ذلك، تسكينا له، وتثبيتا لقلبه، وبين له:
أنه سبحانه العالم بمصائر الأمور، وعواقب التدبير، وأنه إنما لم يأذن له في الدعاء عليهم، لعلمه أن من يؤمن منهم ويتوب، ويراجع ويثوب، يكون [1] زائدا في عداده، وعضدا من أعضاده، أو يكون من ظهره من يقوى به الدين، ويزيد في المسلمين، لأنه سبحانه يعلم من مغارس الأشجار مطلع الثمار، ومن أوائل التلاقح والتزاوج عواقب التولد والنتائج، فيجري سبحانه التدبير على أوضاع المصالح وقواعدها، ودلائل العواقب وشواهدها، وعلى ذلك قرر سبحانه موارد الرسل، ومعاقد الدول، وجعل سراء قوم مقفوة بضراء، وضراء قوم مكشوفة بسراء، على