حتى إذا كانوا بالعقيق (1) وأنا بحيث أراهم وأتأملهم ركبوا الإبل وجنبوا الخيل، فقلت:
إنه الظعن إلى بلادهم، ثم وقفوا وقفة بالعقيق، وتشاوروا في دخول المدينة، فقال لهم صفوان ابن أمية: قد أصبتم القوم، فانصرفوا ولا تدخلوا عليهم وأنتم كالون، ولكم الظفر، فإنكم لا تدرون ما يغشاكم، فقد وليتم يوم بدر، لا والله ما تبعوكم وكان الظفر لهم. فيقال:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهاهم صفوان. فلما رآهم سعد على تلك الحال منطلقين وقد دخلوا في المكمن رجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو كالمنكسر فقال: وجه القوم يا رسول الله إلى مكة، امتطوا الإبل وجنبوا الخيل. فقال: ما تقول؟
قلت: ما قلت يا رسول الله، فخلا بي فقال: أحقا ما تقول؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: فما بالي رأيتك منكسرا؟ فقلت: كرهت أن آتي المسلمين فرحا بقفولهم إلى بلادهم، فقال صلى الله عليه وسلم: إن سعدا لمجرب.
قال الواقدي: وقد روي خلاف هذا، روي أن سعدا لما رجع رفع صوته بأن جنبوا الخيل، وامتطوا الإبل، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير إلى سعد: خفض صوتك فإن الحرب خدعة، فلا ترى الناس مثل هذا الفرح بانصرافهم، فإنما ردهم الله تعالى.
قال الواقدي: وحدثني ابن أبي سبرة، عن يحيى بن شبل، عن أبي جعفر قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: إن رأيت القوم يريدون المدينة فأخبرني فيما بيني وبينك، ولا تفت في أعضاد المسلمين، فذهب فرآهم قد امتطوا الإبل، فرجع، فما ملك أن جعل يصيح سرورا بانصرافهم.
قال الواقدي: وقيل لعمرو بن العاص: كيف كان افتراق المسلمين والمشركين يوم