وما يشعر به حتى أخذه بعد ما تثلم، وإن المشركين لتحتنا، وسقط سيف أبي طلحة أيضا ولم يصب أهل الشك والنفاق نعاس يومئذ، وإنما أصاب النعاس أهل الايمان واليقين، فكان المنافقون يتكلم كل منهم بما في نفسه، والمؤمنون ناعسون.
* * * قلت: سألت ابن النجار المحدث عن هذا الموضع فقلت له: من قصة أحد تدل على أن المسلمين كانت الدولة لهم بادئ الحال ثم صارت عليهم، وصاح الشيطان: قتل محمد، فانهزم أكثرهم، ثم ثاب أكثر المنهزمين إلى النبي صلى الله عليه وآله، فحاربوا دونه حربا كثيرة طالت مدتها حتى صار آخر النهار، ثم أصعدوا في الجبل معتصمين به، وأصعد رسول الله صلى الله عليه وآله معهم، فتحاجز الفريقان حينئذ، وهذا هو الذي يدل عليه تأمل قصة أحد، إلا أن بعض الروايات التي ذكرها الواقدي يقتضى غير ذلك، نحو روايته في هذا الباب أن رسول الله صلى الله عليه وآله، لما صاح الشيطان: إن محمدا قد قتل، كان ينادى المسلمين فلا يعرجون عليه، وإنما يصعدون في الجبل، وإنه وجه نحو الجبل، فانتهى إليهم وهم أوزاع يتذاكرون بقتل من قتل منهم وهذه الرواية تدل على أنه أصعد صلى الله عليه وآله في الجبل من أول الحرب، حيث صاح الشيطان، وصياح الشيطان كان حال كون خالد بن الوليد بالجبل من وراء المسلمين لما غشيهم وهم مشتغلون بالنهب واختلط الناس، فكيف هذا!
فقال: إن الشيطان صاح: قتل محمد دفعتين: دفعة في أول الحرب، ودفعة في آخر الحرب، لما تصرم النهار وغشيت الكتائب رسول الله صلى الله عليه وآله وقد قتل ناصروه وأكلتهم الحرب، فلم يبق معه إلا نفر يسير لا يبلغون عشرة، وهذه كانت أصعب وأشد من الأولى، وفيها اعتصم، وما اعتصم في صرخة الشيطان الأولى بالجبل، بل ثبت وحامى عنه أصحابه، ولقد لقي في الأولى مشقة عظيمة من ابن قميئة وعتبة بن أبي وقاص وغيرهما،