أصيب وجهه يوم أحد، فدخلت الحلقتان من المغفر في وجنتيه، فلما نزعتا جعل الدم يسرب كما يسرب الشن (1)، فجعل مالك بن سنان يمج الدم بفيه، ثم ازدرده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أحب أن ينظر إلى من خالط دمه بدمي فلينظر إلى مالك بن سنان. فقيل لمالك: تشرب الدم! فقال: نعم، أشرب دم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مس دمه دمى لم تصبه النار ".
قال الواقدي: وقال أبو سعيد: كنا ممن رد من الشيخين (2) لم نجئ مع المقاتلة، فلما كان من النهار بلغنا مصاب رسول الله صلى الله عليه وآله، وتفرق الناس عنه، جئت مع غلمان بني خدرة نعرض لرسول الله صلى الله عليه وآله ننظر إلى سلامته، فنرجع بذلك إلى أهلنا، فلقينا الناس متفرقين ببطن قناة، فلم يكن لنا همة إلا النبي صلى الله عليه وسلم، ننظر إليه، فلما رآني قال: سعد بن مالك! قلت: نعم، بأبي أنت وأمي! ودنوت منه، فقبلت ركبته وهو على فرسه، فقال آجرك الله في أبيك! ثم نظرت إلى وجهه، فإذا في وجنتيه مثل موضع الدرهم في كل وجنة، وإذا شجة في جبهته عند أصول الشعر، وإذا شفته السفلى تدمى، وإذا في رباعيته اليمنى شظية، وإذا على جرحه شئ أسود، فسألت: ما هذا على وجهه؟ فقالوا: حصير محرق. وسألت: من أدمى وجنتيه؟ فقيل ابن قميئة، فقلت: فمن شجه في وجهه؟ فقيل: ابن شهاب، فقلت: من أصاب شفتيه؟ قيل: عتبة بن أبي وقاص، فجعلت أعدو بين يديه حتى نزل ببابه، ما نزل إلا محمولا، وأرى ركبتيه مجحوشتين (3) يتكئ [على] السعدين: سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، حتى دخل بيته، فلما غربت الشمس وأذن بلال بالصلاة، خرج على تلك الحال