قال الواقدي: فلما أحضر علي عليه السلام الماء، أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه، فلم يستطع، وقد كان عطشا ووجد ريحا من الماء كرهها، فقال: هذا ماء آجن، فتمضمض منه للدم الذي كان بفيه ثم مجه، وغسلت فاطمة به الدم عن أبيها صلى الله عليه وسلم، فخرج محمد بن مسلمة يطب مع النساء، وكن أربع عشرة امرأة، قد جئن من المدينة يتلقين الناس منهن فاطمة عليها السلام يحملن الطعام والشراب على ظهورهن، ويسقين الجرحى ويداوينهم.
قال الواقدي: قال كعب بن مالك: رأيت عائشة وأم سليم على ظهورهما القرب تحملانها يوم أحد، وكانت حمنة بنت جحش تسقى العطشى وتداوي الجرحى، فلم يجد محمد بن مسلمة عندهن ماء ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عطشه، فذهب محمد بن مسلمة إلى قناة ومعه سقاؤه حتى استقى من حسي - قناه عند قصور التميميين اليوم - فجاء بماء عذب، فشرب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا له بخير، وجعل الدم لا ينقطع من وجهه عليه السلام وهو يقول: لن ينالوا منا مثلها حتى نستلم الركن! فلما رأت فاطمة الدم لا يرقأ وهي تغسل جراحه، وعلي يصب الماء عليها بالمجن، أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا، ثم ألصقته بالجرح، فاستمسك الدم. ويقال: إنها داوته بصوفة محرقة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد يداوى الجراح الذي في وجهه بعظم بال حتى ذهب أثره. ولقد مكث يجد وهن ضربة ابن قميئة على عاتقه شهرا أو أكثر من شهر، ويداوي الأثر الذي في وجهه بعظم.
قال الواقدي: وقال رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن ينصرف إلى المدينة: من يأتينا بخبر سعد بن الربيع؟ فإني رأيته - وأشار بيده إلى ناحية من الوادي - قد شرع فيه اثنا عشر سنانا، فخرج محمد بن مسلمة - ويقال أبي بن كعب - نحو تلك الناحية. قال: فأنا وسط القتلى لتعرفهم، إذ مررت به صريعا في الوادي، فناديته فلم يجب، ثم قلت:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني إليك. قال: فتنفس كما يتنفس الطير، ثم قال: