[قصة فيروز بن يزدجرد حين غزا ملك الهياطلة] ومن الكلمات المستحسنة في سوء عاقبة البغي ما ذكره ابن قتيبة في كتاب " عيون الأخبار " أن فيروز بن يزدجرد بن بهرام لما ملك سار بجنوده نحو بلاد الهياطلة، فلما انتهى إليهم اشتد رعب ملكهم أخشنوار منه وحذره، فناظر أصحابه ووزرائه في أمره فقال رجل منهم أعطني موثقا من الله وعهدا تطمئن إليه نفسي أن تكفيني الغم بأمر (1) أهلي وولدي، وأن تحسن إليهم، وتخلفني فيهم، ثم اقطع يدي ورجلي وألقني في طريق فيروز حتى يمر بي هو وأصحابه، وأنا أكفيك أمرهم (2)، وأورطهم مورطا تكون فيه هلكتهم. فقال له أخشنوار: وما الذي تنتفع به من سلامتنا وصلاح حالنا إذا أنت هلكت ولم تشركنا في ذلك! فقال: إني قد بلغت ما كنت أحب أن أبلغ من الدنيا، وأنا موقن أن الموت لا بد منه، وإن تأخر أياما قليلة، فأحب أن أختم عملي بأفضل ما يختم به الأعمال من النصيحة بسلطاني، والنكاية في عدوي، فيشرف بذلك عقبي، وأصيب سعادة وحظوة فيما أمامي.
ففعل أخشنوار به ذلك، وحمله فألقاه في الموضع الذي أشار إليه، فمر به فيروز في جنوده، فسأله عن حاله، فأخبره أن أخشنوار فعل به ما يراه وأنه شديد الأسف، كيف لا يستطيع أن يكون أمام الجيش في غزو بلاده وتخريب مدينته، ولكنه سيدل الملك على طريق هو أقرب من هذا الطريق الذي يريدون سلوكه وأخفى، فلا يشعر أخشنوار حتى يهجم عليه فينتقم الله منه بكم، وليس في هذا الطريق من المكروه إلا تغور (3) يومين، ثم تفضون إلى كل ما تحبون.