القول فيما جرى للمشركين بعد انصرافهم إلى مكة قال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة، عن قطن بن وهيب الليثي، قال: لما تحاجز الفريقان، ووجه قريش إلى مكة، وامتطوا الإبل، وجنبوا الخيل، سار وحشى، عبد جبير بن مطعم على راحلته أربعا، فقدم مكة يبشر قريشا بمصاب المسلمين، فانتهى إلى الثنية التي تطلع على الحجون فنادى بأعلى صوته: يا معشر قريش، مرارا حتى ثاب الناس إليه وهم خائفون أن يأتيهم بما يكرهون، فلما رضى منهم قال: أبشروا فقد قتلنا من أصحاب محمد مقتلة لم نقتل مثلها في زحف قط، وجرحنا محمدا فأثبتناه بالجراح، وقتلنا رأس الكتيبة حمزة بن عبد المطلب، فتفرق الناس عنه في كل وجه بالشماتة بقتل أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وإظهار السرور، وخلا جبير بن مطعم بوحشي، فقال انظر ما تقول! قال وحشى: قد والله صدقت. قال: قتلت حمزة؟ قال: أي والله ولقد زرقته بالمزراق (1) في بطنه، فخرج من بين فخذيه، ثم نودي فلم يجب، فأخذت كبده وحملتها إليك لتراها. فقال: أذهبت حزن نسائنا، وبردت حر قلوبنا، فأمر يومئذ نسائه بمراجعة الطيب والدهن.
قال الواقدي: وقد كان عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة المخزومي لما انكشف المشركون بأحد في أول الأمر، خرج هاربا على وجهه، وكره أن يقدم مكة، فقدم الطائف، فأخبر ثقيفا أن أصحاب محمد قد ظفروا وانهزمنا، وكنت أول من قدم عليكم، ثم جاءهم الخبر بعد أن قريشا ظفرت وعادت الدولة لها.
قال الواقدي: فسارت قريش قافلة إلى مكة، فدخلتها ظافرة، فكان ما دخل على قلوبهم من السرور يومئذ نظير ما دخل عليهم من الكآبة والحزن يوم بدر، وكان ما دخل