ولكنه لم يفارق عرصة الحرب، وإنما فارقها وعلم أنه لم يبق له وجه مقام في صرخته الثانية.
قلت له: فكان القوم مختلطين في الصرخة الثانية حتى يصرخ الشيطان: قتل محمد!
قال: نعم، المشركون قد أحاطوا بالنبي صلى الله عليه وآله وبمن بقي معه من أصحابه، فاختلط المسلمون بهم، وصاروا مغمورين بينهم، لقلتهم بالنسبة إليهم، وظن قوم من المشركين أنهم قد قتلوا النبي صلى الله عليه وآله لأنهم فقدوا وجهه وصورته، فنادى الشيطان: قتل محمد، ولم يكن قتل صلى الله عليه وآله، ولكن اشتبهت صورته عليهم وظنوه غيره، وأكثر من حامى عنه في تلك الحال علي عليه السلام وأبو دجانة وسهل بن حنيف، وحامى هو عن نفسه، وجرح قوما بيده تارة بالسهام، وتارة بالسيف ولكن لم يعلموا بأعيانهم لاختلاط القوم وثوران النقع (1)، وكانت قريش تظنه واحدا من المسلمين ولو عرفوه بعينه في تلك الثورة لكان الامر صعبا جدا، ولكن الله تعالى عصمه منهم بأن أزاغ أبصارهم عنه، فلم يزل هؤلاء الثلاثة يجالدون دونه وهو يقرب من الجبل حتى صار في أعلى الجبل أصعد من فم الشعب إلى تدريج هناك في الجبل ورقي في ذلك التدريج صاعدا حتى صار في أعلى الجبل، وتبعه النفر الثلاثة فلحقوا به.
قلت له: فما بال القوم الذين صعدوا الجبل من المشركين، وكيف كان إصعادهم وعودهم؟
قال: أصعدوا لحرب المسلمين لا لطلب رسول الله صلى الله عليه وآله، لأنهم ظنوا أنه قد قتل، وهذا هو كان السبب في عودهم من الجبل، لأنهم قالوا: قد بلغنا الغرض