فان قلت فما معنى قوله (لكان ذلك خالصا لله سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه) وهب أن تعليل عدم استحقاق شئ على الله تعالى بقدرته على عباده صحيح كيف يصح تعليل ذلك بعدله في كل ما جرت عليه صروف قضائه الا ترى انه ليس بمستقيم أن تقول لا يستحق على البارئ شئ لأنه عادل وإنما المستقيم أن تقول لا يستحق عليه شئ لأنه مالك ولذلك عللت الأشعرية هذا الحكم بأنه مالك الكل والاستحقاق إنما يكون على من دونه.
قلت التعليل صحيح وهو أيضا مما عللت به الأشعرية مذهبها وذلك لأنه إنما يتصور الاستحقاق على الفاعل المختار إذا كان ممن يتوقع منه أو يصح منه أن يظلم فيمكن حينئذ أن يقال قد وجب عليه كذا واستحق عليه كذا فاما من لا يمكن أن يظلم ولا يتصور وقوع الظلم منه ولا الكذب ولا خلف الوعد والوعيد فلا معنى لاطلاق الوجوب والاستحقاق عليه كما لا يقال كذا الداعي الخالص يستحق عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي ويجب عليه أن يفعل ما دعاه إليه الداعي مثل الهارب من الأسد والشديد العطش إذا وجد الماء ونحو ذلك.
فان قلت أليس يشعر قوله عليه السلام: (وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضلا منه) بمذهب البغداديين من أصحابكم وهو قولهم إن الثواب تفضل من الله سبحانه وليس بواجب.
قلت لا وذلك لأنه جعل المتفضل به هو مضاعفة الثواب لا أصل الثواب وليس ذلك بمستنكر عندنا.
فان قلت أيجوز عندكم أن يستحق المكلف عشرة اجزاء من الثواب فيعطى عشرين جزءا منه أليس من مذهبكم أن التعظيم والتبجيل لا يجوز من البارئ سبحانه أن يفعلهما