. ادراك السول وبلوغ المأمول بالصبر على الجوع وفقد الهجوع وسيلان الدموع واعلم أن تقليل المأكول لا ريب في أنه نافع للنفس والأخلاق والتجربة قد دلت عليه لأنا نرى المكثر من الاكل يغلبه النوم والكسل وبلادة الحواس وتتبخر المأكولات الكثيرة أبخرة كثيرة فتتصاعد إلى الدماغ فتفسد القوى النفسانية وأيضا فان كثرة المأكل تزيل الرقة وتورث القساوة والسبعية والقياس أيضا يقتضى ذلك لان كثرة المزاولات سبب لحصول الملكات فالنفس إذا توفرت على تدبير الغذاء وتصريفه كان ذلك شغلا شاغلا لها وعائقا عظيما عن انصبابها إلى الجهة الروحانية العالية ولكن ينبغي أن يكون تقليل الغذاء إلى حد وجب جوعا قليلا فان الجوع المفرط يورث ضعف الأعضاء الرئيسة واضطرابها واختلال قواها وذلك يقتضى تشويش النفس واضطراب الفكر واختلال العقل ولذلك تعرض الأخلاط السوداوية لمن أفرط عليه الجوع فأذن لا بد من اصلاح أمر الغذاء بان يكون قليل الكمية كثير الكيفية فتؤثر قلة كميته في أنه لا يشغل النفس بتدبير الهضم عن التوجه إلى الجهة العالية الروحانية وتؤثر كثرة كيفيته في تدارك الخلل الحاصل له من قلة الكمية ويجب أن يكون الغذاء شديد الامداد للأعضاء الرئيسة لأنها هي المهمة من أعضاء البدن وما دمت باقيه على كمال حالها لا يظهر كثير خلل من ضعف غيرها من الأعضاء
(١٣٣)