إذا بلغت به الإرادة والرياضة حدا ما عنت له خلسات من اطلاع نور الحق إليه لذيذة كأنها بروق تومض إليه ثم تخمد عنه وهي التي تسمى عندهم أوقاتا وكل وقت يكتنفه وجد إليه ووجد عليه ثم إنه لتكثر عليه هذه الغواشي إذا أمعن في الارتياض ثم إنه ليتوغل في ذلك حتى يغشاه في غير الارتياض فكلما لمح شيئا عاج منه إلى جانب القدس فتذكر من امره أمرا فغشيه غاش فيكاد يرى الحق في كل شئ ولعله إلى هذا الحد تستولي عليه غواشيه ويزول هو عن سكينته ويتنبه جليسه لاستنفاره عن قراره فإذا طالت عليه الرياضة لم تستنفره غاشية وهدى للتأنس بما هو فيه ثم إنه لتبلغ به الرياضة مبلغا ينقلب له وقته سكينة فيصير المخطوب مألوفا والوميض شهابا بينا ويحصل له معارف مستمرة كأنها صحبة مستمرة ويستمتع فيها ببهجته فإذا انقلب عنها انقلب حيران آسفا.
فهذه ألفاظ الحكيم أبى علي بن سينا في (الإشارات) وهي كما نراها مصرح فيها بذكر البروق اللامعة للعارف.
وقال القشيري في الرسالة لما ذكر الحال والأمور الواردة على العارفين قال هي بروق تلمع ثم تخمد وأنوار تبدو ثم تخفى ما أحلاها لو بقيت مع صاحبها ثم تمثل بقول البحتري (1) خطرت في النوم منها خطرة * خطرة البرق بدا ثم اضمحل أي زور لك لو قصدا سرى * وملم بك لو حقا فعل.
فهو كما تراه يذكر البروق اللامعة حسبما ذكره الحكيم وكلاهما يتبع ألفاظ أمير المؤمنين عليه السلام لأنه حكيم الحكماء وعارف العارفين ومعلم الصوفية ولولا أخلاقه