ونحتاج قبل الخوض في ذلك إلى تقديم أمرين أحدهما أن النفحات الإلهية دائمة مستمرة وانه كل من توصل إليها وصل قال سبحانه وتعالى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) وقال النبي صلى الله عليه وآله (إن لربكم في أيام عصركم نفحات الا فتعرضوا لنفحاته).
وثانيهما أن النفوس البشرية في الأكثر مختلفه بالنوع فقد تكون بعض النفوس مستعدة غاية الاستعداد لهذا المطلب وربما لم تكن البتة مستعدة له وبين هذين الطرفين أوساط مختلفة بالضعف والقوة.
وإذا تقرر ذلك فاعلم أن القسمين الأولين لما اختلفا فيما ذكرناه لا جرم اختلفا في الكسب والمكتسب.
اما الكسب فان صاحب العلم الأولى به في الأكثر العزلة والانقطاع عن الخلق لأنه قد حصلت له الهداية والرشاد فلا حاجة له إلى مخالطة أحد يستعين به على حصول ما هو حاصل واما صاحب الفطرة الأصلية من غير علم فإنه لا يليق به العزلة لأنه يحتاج إلى المعلم والمرشد فإنه ليس يكفي الفطرة الأصلية في الوصول إلى المعالم الإلهية والحقائق الربانية ولا بد من موقف ومرشد في مبدأ الحال هذا هو القول في الكسب بالنظر إليها.
واما المكتسب فان صاحب العلم إذا اشتغل بالرياضة كانت مشاهداته ومكاشفاته أكثر كمية وأقل كيفية مما لصاحب الفطرة المجردة ما كثرة الكمية فلان قوته النظرية تعينه على ذلك واما قلة الكيفية فلان القوة النفسانية تتوزع على تلك الكثرة وكلما كانت الكثرة أكثر كان توزع القوة إلى أقسام أكثر وكان كل واحد منها