وهذا المذهب هو أقصد المذاهب وأصحها واليه يذهب أصحابنا المتأخرون من البغداديين وبه يقول.
واعلم أن حال علي عليه السلام في هذا المعنى أشهر من أن يحتاج في الدلالة عليها إلى الإسهاب والاطناب فقد رأيت انتقاض العرب عليه من أقطارها حين بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله بخمس وعشرين سنة وفي دون هذه المدة تنسى الأحقاد وتموت التراث وتبرد الأكباد الحامية وتسلو القلوب الواجدة ويعدم قرن من الناس ويوجد قرن ولا يبقى من أرباب تلك الشحناء والبغضاء الا الأقل فكانت حاله بعد هذه المدة الطويلة مع قريش كأنها حاله لو أفضت الخلافة إليه يوم وفاة ابن عمه صلى الله عليه وآله من اظهار ما في النفوس وهيجان ما في القلوب حتى إن الاخلاف من قريش والاحداث والفتيان الذين لم يشهدوا وقائعه وفتكاته في أسلافهم وآبائهم فعلوا به ما لو كانت الأسلاف احياء لقصرت عن فعله وتقاعست عن بلوغ شأوه فكيف كانت تكون حاله لو جلس على منبر الخلافة وسيفه بعد يقطر دما من مهج العرب لا سيما قريش الذين بهم كان ينبغي - لو دهمه خطب - أن يعتضد وعليهم كان يجب أن يعتمد اذن كانت تدرس اعلام الملة وتنعفي رسوم الشريعة وتعود الجاهلية الجهلاء على حالها ويفسد ما أصلحه رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاث وعشرين سنه في شهر واحد فكان من عناية الله تعالى بهذا الدين أن الهم الصحابة ما فعلوه والله متم نوره ولو كره المشركون