وتارة بعمه حمزة وأخيه جعفر - وهما ميتان - وتارة بالأنصار وتارة ببني عبد مناف ويجمع الجموع في داره ويبث الرسل والدعاة ليلا ونهارا إلى الناس يذكرهم فضله وقرابته ويقول للمهاجرين خصمتم (1) الأنصار بكونكم أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وانا أخصمكم بما خصمتم به الأنصار لان القرابة أن كانت هي المعتبرة فانا أقرب منكم.
وهلا خاف من هذا الامتناع ومن هذا الاحتجاج ومن الخلوة في داره بأصحابه ومن تنفير الناس عن البيعة التي عقدت حينئذ لمن عقدت له.
وكل هذا إذا تأمله المنصف علم أن الشيعة أصابت في أمر وأخطأت في أمر اما الامر الذي أصابت فيه فقولها انه امتنع وتلكأ وأراد الامر لنفسه واما الامر الذي أخطأت فيه فقولها انه كان منصوصا عليه نصا جليا بالخلافة تعلمه الصحابة كلها أو أكثرها وإن ذلك النص خولف طلبا للرئاسة الدنيوية وإيثارا للعاجلة وإن حال المخالفين للنص لا تعدو أحد أمرين اما الكفر أو الفسق فان قرائن الأحوال وأماراتها لا تدل على ذلك وإنما تدل وتشهد بخلافة وهذا يقتضى أن أمير المؤمنين عليه السلام كان في مبدأ الامر يظن أن العقد لغيرة كان عن غير نظر في المصلحة وانه لم يقصد به الا صرف الامر عنه والاستئثار عليه فظهر منه ما ظهر من الامتناع والعقود في بيته إلى أن صح عنده وثبت في نفسه انهم أصابوا فيما فعلوه وانهم لم يميلوا إلى هوى ولا أرادوا الدنيا وإنما فعلوا الأصلح في ظنونهم لأنه رأى من بغض الناس له وانحرافهم عنه وميلهم عليه وثوران الأحقاد التي كانت في أنفسهم واحتدام النيران التي كانت في قلوبهم وتذكروا التراث التي وتراهم فيما قبل بها والدماء التي سفكها منهم وأرقها.