الأصل:
أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ألبسكم الرياش، وأسبغ عليكم المعاش، فلو أن أحدا يجد إلى البقاء سلما، أو لدفع الموت سبيلا، لكان ذلك سليمان بن داود عليه السلام، الذي سخر له ملك الجن والإنس، مع النبوة وعظيم الزلفة، فلما استوفى طعمته، واستكمل مدته، رمته قسى الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون.
وإن لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وأبناء العمالقة! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة! أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين، وأطفئوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين! أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر، ومدنوا المدائن!
* * * الشرح:
الرياش: اللباس. وأسبغ: أوسع، وإنما ضرب المثل بسليمان عليه لسلام، لأنه كان ملك الإنس والجن، ولم يحصل لغيره ذلك، ومن الناس من أنكر هذا، لان اليهود والنصارى يقولون: إنه لم يتعد ملكه حدود الشام، بل بعض الشام، وينكرون حديث الجن والطير والريح، ويحملون ما ورد من ذلك على وجوه وتأويلات عقلية معنوية، ليس هذا موضع ذكرها.
والزلفة: القرب. والطعمة، بضم الطاء: المأكلة، يقال: قد جعلت هذه الضيعة طعمة لزيد.
والقسي: جمع قوس، وأصلها (قووس) على (فعول)، كضرب وضروب، إلا أنهم قدموا