معرفة صفته فصف لنا الملائكة، فإن معرفة ذات الملك أهون من معرفة ذات الأول سبحانه.
وحجرات القدس: جمع حجرة، ومرجحنين: مائلين إلى جهة (تحت) خضوعا لجلال البارئ سبحانه، ارجحن الحجر، إذا مال هاويا. متولهة عقولهم، أي حائرة.
ثم قال: إنما يدرك بالصفات ويعرف كنه ما كان ذا هيئة وأداة وجارحة، وما ينقضي ويفنى ويتطرق إليه العدم، وواجب الوجود سبحانه بخلاف ذلك.
وتحت قوله: (أضاء بنوره كل ظلام...) إلى آخر الفصل، معنى دقيق وسر خفى، وهو أن كل رذيلة في الخلق البشرى مع معرفته بالأدلة البرهانية غير مؤثرة ولا قادحة في جلالة المقام الذي قد بلغ إليه، وذلك نحو أن يكون العارف بخيلا أو جبانا، أو حريصا أو نحو ذلك، وكل فضيلة في الخلق البشرى مع الجهل به سبحانه، فليست بفضيلة في الحقيقة ولا معتد بها لان نقيصة الجهل به تكسف تلك الأنوار، وتمحق فضلها، وذلك نحو أن يكون الجاهل به سبحانه جوادا، أو شجاعا، أو عفيفا، أو نحو ذلك، وهذا يطابق ما يقوله الأوائل، من أن العارف المذنب يشقى بعد الموت قليلا، ثم يعود إلى النعيم السرمدي، وأن الجاهل ذا العبادة والاحسان يشقى بعد الموت شقاء مؤبدا، ومذهب الخلص من مرجئة الاسلام يناقض هذه اللفظات، ويقال: إنه مذهب أبي حنيفة رحمه الله، ويمكن تأويلها على مذهب أصحابنا بأن يقال: كل ظلام من المعاصي الصغائر، فإنه ينجلي بضياء معرفته وطاعته، وكل طاعة يفعلها المكلف مع الكفر به سبحانه فإنها غير نافعة ولا موجبة ثوابا، ويكون هذا التأويل من باب صرف اللفظ عن عمومه إلى خصوصه.