ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطيب، والعمل الصالح من خلقه.
* * * الشرح:
نفى عليه السلام أن يكون البارئ سبحانه مولودا فيكون له شريك في العز والإلهية، وهو أبوه الذي ولده، وإنما قال ذلك جريا على عادة ملوك البشر، فإن الأكثر أن الملك يكون ابن ملك قبله، ونفى أن يكون له ولد جريا أيضا على عادة البشر، في أن كل والد في الأكثر، فإنه يهلك قبل هلاك الولد، ويرثه الولد، وهذا النمط من الاحتجاج يسمى خطابة، وهو نافع في مواجهة العرب به، وأراد من الاحتجاج إثبات العقيدة، فتارة تثبت في نفوس العلماء بالبرهان، وتارة تثبت في نفوس العوام بالخطابة والجدل.
ثم نفى أن يتقدمه وقت أو زمان، والوقت هو الزمان، وإنما خالف بين اللفظين، وأتى بحرف العطف، كقوله تعالى: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
ونفى أن يتعاوره، أي تختلف عليه زيادة أو نقصان، يقال: عاورت زيدا الضرب، أي فعلت به من الضرب مثل ما فعل بي، واعتوروا الشئ، أي تداولوه فيما بينهم، وكذلك تعوروه وتعاوروه، وإنما ظهرت الواو في (اعتوروا)، لأنه في معنى (تعاوروا) فبنى عليه ولو لم يكن في معناه لاعتلت، كما قالوا: (اجتوروا) لما كان في معنى: (تجاوروا) التي لا بد من صحة الواو فيها لسكون الألف، قبلها. واعتورت الرياح رسم الدار:
اختلفت عليه.
فإن قلت: هذا يقتضى أن يقول: (ولم يتعاوره زيادة ونقصان)، لان التعاور يستدعى الضدين معا، ولا ينبغي أن يقول: (ولا نقصان)، كما لا يجوز أن تقول: لم يختلف زيد ولا عمرو.