الرؤساء أتباعهم من العرب فيطيعونهم، فمنهم من يعطيهم حمية، ومنهم من يطيعهم لأياد وعوارف من أولئك الرؤساء عندهم، ومنهم من يطيعهم دينا، زعموا للطلب بدم عثمان، ولم يكن يصل إلى هؤلاء الاتباع من أموال معاوية قليل ولا كثير. وأما أمير المؤمنين عليه السلام، فإنه كان يقسم بين الرؤساء والاتباع على وجه العطاء والرزق، ولا يرى لشريف على مشروف فضلا، فكان من يقعد عنه بهذا الطريق أكثر ممن ينصره وبقوم بأمره، وذلك لان الرؤساء من أصحابه كانوا يجدون في أنفسهم من ذلك - أعني المساواة بينهم وبين الاتباع - فيخذلونه عليه السلام باطنا، وإن أظهروا له النصر، وإذا أحس أتباعهم بتخاذلهم وتواكلهم تخاذلوا أيضا وتواكلوا أيضا، ولم يجد عليه صلوات الله عليه ما أعطى الاتباع من الرزق، لان انتصار الاتباع له وقتالهم دونه لا يتصور وقوعه، والرؤساء متخاذلون، فكان يذهب ما يرزقهم ضياعا.
فإن قلت: فأي فرق بين المعونة والعطاء؟.
قلت: المعونة إلى الجند شئ يسير من المال برسم ترميم أسلحتهم، وإصلاح دوابهم، ويكون ذلك خارجا عن العطاء المفروض شهرا فشهرا، والعطاء المفروض شهرا فشهرا يكون شيئا له مقدار بصرف في أثمان الأقوات، ومؤنة العيال، وقضاء الديون.
والتريكة: بيضة النعام تتركها في مجثمها، يقول: أنتم خلف الاسلام وبقيته كالبيضة التي تتركها النعامة.
فإن قلت: ما معنى قوله: (لا يخرج إليكم من أمري رضا فترضونه، ولا سخط فتجتمعون عليه)؟
قلت: معناه أنكم لا تقبلون مما أقول لكم شيئا، سواء كان مما يرضيكم أو مما يسخطكم، بل لابد لكم من المخالفة والافتراق عنه.