ثم ذكر أن أحب الأشياء إليه أن يلقى الموت، وهذه الحال التي ذكرها أبو الطيب فقال:
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا * وحسب المنايا أن تكن أمانيا (١) تمنيتها لما تمنيت أن ترى * صديقا فأعيا، أو عدوا مداجيا.
قوله: (قد دارستكم الكتاب)، أي درسته عليكم، دارست الكتب وتدارستها وأدرستها، ودرستها، بمعنى، وهي من الألفاظ القرآنية (٢).
وفاتحتكم الحجاج، أي حاكمتكم بالمحاجة والمجادلة، وقوله تعالى: ﴿ربنا افتح بيننا﴾ (3) أي احكم، والفتاح: الحاكم.
وعرفتكم ما أنكرتم: بصرتكم ما عمى عنكم.
وسوغتكم ما مججتم، يقال: مججت الشراب من فمي، أي رميت به، وشيخ ماج:
يمج ريقه، ولا يستطيع حبسه من كبره، وأحمق ماج: أي يسيل لعابه، يقول: ما كانت عقولكم وأذهانكم تنفر عنه من الأمور الدينية أوضحته لكم حتى عرفتموه واعتقدتموه وانطوت قلوبكم عليه.
ولم يجزم عليه السلام بحصول ذلك لهم، لأنه قال: لو كان الأعمى يلحظ، والنائم يستيقظ! أي أنى قد فعلت معكم ما يقتضى حصول الاعتقادات الحقيقية في أذهانكم لو أزلتم عن قلوبكم ما يمنع من حصولها لكم، والمانع المشار إليه هو الهوى والعصبية والاصرار على اللجاج، ومحبة نصره (4) عقيدة قد سبقت إلى القلب، وزرعها التعصب، ومشقة مفارقة