وأيسرها حضور الجنازة، وعيادة المريض، وحضور الولائم، والإملاكات (1)، وفى ذلك تضييع الأوقات، والتعرض للآفات، ثم يعوق عن بعضها العوائق، وتستثقل فيها المعاذير، ولا يمكن إظهار كل الاعذار، فيقول لك قائل: إنك قمت بحق فلان، وقصرت في حقي، ويصير ذلك سبب عداوة، فقد قيل: إن من لم يعد مريضا في وقت العيادة، يشتهى موته خيفة من تخجيله إياه إذا برئ من تقصيره، فأما من يعم الناس كلهم بالحرمان فإنهم يرضون كلهم عنه، ومتى خصص وقع الاستيحاش والعتاب، وتعميمهم بالقيام بجميع الحقوق، مما لا قدرة عليه للمتجرد ليله ونهاره، فكيف من له مهم يشغله ديني أو دنيوي!.
ومن كلام بعضهم، كثرة الأصدقاء زيادة (2) الغرماء.
وقال الشاعر:
عدوك من صديقك مستفاد * فلا تستكثرن من الصحاب فإن الداء أكثر ما تراه * يكون من الطعام أو الشراب.
وأما انقطاع طمعك عنهم، ففيه أيضا فائدة جزيلة، فإن من نظر إلى زهرة الدنيا وزخرفها، تحرك حرصه، وانبعث بقوة الحرص طمعه، وأكثر الأطماع يتعقبها الخيبة، فيتأذى الانسان بذلك، وإذا اعتزل لم يشاهد، وإذا لم يشاهد لم يشته ولم يطمع، ولذلك قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا) (3) وقال عليه السلام: (انظروا إلى من دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم).