ذلك، فهي أنسهم الذي يستريحون إليه في الجلوة والمفاوضة، فإن خالطتهم ووافقت أثمت، وإن سكت كنت شريكا، فالمستمع أحد المغتابين، وإن أنكرت تركوا ذلك المغتاب واغتابوك، فازدادوا إثما على إثمهم.
فأما الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، فإن من خالط الناس لا يخلوا عن مشاهدة المنكرات، فإن سكت عصى الله، وإن أنكر تعرض بأنواع من الضرر، وفى العزلة خلاص عن ذلك، وفى الامر بالمعروف إثارة للخصام، وتحريك لكوامن ما في الصدور.
وقال الشاعر:
وكم سقت في آثاركم من نصيحة * وقد يستفيد الظنة المتنصح.
ومن تجرد للامر بالمعروف ندم عليه في الأكثر كجدار مائل، يريد الانسان أن يقيمه وحده، فيوشك أن يقع عليه، فإذا سقط قال: يا ليتني تركته مائلا! نعم لو وجد الأعوان حتى يحكم ذلك الحائط ويدعمه استقام، ولكنك لا تجد القوم أعوانا على الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، فدع الناس وانج بنفسك.
وأما الرياء فلا شبهة أن من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم، ومن راءاهم كان منافقا، وأنت تعلم أنك إذا خالطت متعاديين، ولم تلق كل واحد منهما بوجه يوافقه صرت بغيضا إليهما جميعا، وإن جاملتهما كنت من شرار الناس، وصرت ذا وجهين، وأقل ما يجب في مخالطة الناس، إظهار الشوق والمبالغة فيه، وليس يخلو ذلك عن كذب، إما في الأصل وإما في الزيادة بإظهار الشفقة بالسؤال عن الأحوال، فقولك: كيف أنت؟ وكيف أهلك؟ وأنت في الباطن فارغ القلب عن همومه، نفاق محض.
قال سرى السقطي: لو دخل علي أخ فسويت لحيتي بيدي لدخوله، خشيت أن أكتب في جريدة المنافقين.