وليكن صبورا على ما يلقاه من أذى الجيران إذ يسد سمعه عن الاصغاء إلى ما يقول فيه من أثنى عليه بالعزلة، وقدح فيه بترك المخالطة، فإن ذلك لا بد أن يؤثر في القلب، ولو مدة يسيرة، وحال اشتغال القلب به لا بد أن يكون واقفا عن سيره في طريق الآخرة، فإن السير فيها إما يكون بالمواظبة على ورد أو ذكر مع حضور قلب، وإما بالفكر في جلال الله وصفاته وأفعاله وملكوت سماواته، وإما بالتأمل في دقائق الأعمال ومفسدات القلب وطلب طرق التخلص منها، وكل ذلك يستدعى الفراغ، ولا ريب أن الاصغاء إلى ما ذكرناه يشوش القلب.
ويجب أن يكون للمعتزل أهل صالح أو جليس صالح، لتستريح نفسه إليه ساعة عن كد المواظبة، ففي ذلك عون له على بقية الساعات. وليس يتم للانسان الصبر على العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا، وما الناس منهمكون فيه، ولا ينقطع طمعه إلا بقصر الامل، وألا يقدر لنفسه عمرا طويلا، بل يصبح على أنه لا يمسي، ويمسي على أنه لا يصبح، فيسهل عليه صبر يوم، ولا يسهل عليه العزم على صبر عشرين سنه لو قدر تراخى أجله، وليكن كثير الذكر للموت ووحدة القبر، مهما ضاق قلبه من الوحدة، وليتحقق أن من لم يحصل في قلبه من ذكر الله ومعرفته ما يأنس به، فإنه لا يطيق وحشة الوحدة بعد الموت، وأن من أنس بذكر الله ومعرفته فإن الموت لا يزيل أنسه، لان الموت ليس يهدم محل الانس والمعرفة، بل يبقى حيا بمعرفته وأنسه فرحا بفضل الله عليه، قال سبحانه: ﴿ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله﴾ (1).
وكل من يجرد نفسه في ذات الله فهو شهيد مهما أدركه الموت، فالمجاهد من