وقال عون بن عبد الله: كنت أجالس الأغنياء، فلا أزال مغموما أرى ثوبا أحسن من ثوبي، ودابة أفره من دابتي، فجالست الفقراء فاسترحت.
وخرج المزني صاحب الشافعي من باب جامع الفسطاط بمصر، وكان فقيرا مقلا فصادف ابن عبد الحكم قد أقبل في موكبه، فبهره ما رأى من حاله، وحسن هيأته، فتلا قوله تعالى: ﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون﴾ (1) ثم قال: نعم أصبر وأرضى.
فالمعتزل عن الناس في بيته لا يبتلى بمثل هذه الفتن، فإن من شاهد زينة الدنيا، إما أن يقوى دينه ويقينه فيصبر فيحتاج إلى أن يتجرع مرارة الصبر، وهو أمر من الصبر، أو تنبعث رغبته فيحتال في طلب الدنيا فيهلك دنيا وآخرة، أما في الدنيا فبالطمع الذي في أكثر الأوقات يتضمن الذل المعجل، وأما في الآخرة فلإيثاره متاع الدنيا على ذكر الله، والتقرب إليه، ولذلك قال الشاعر: إذا كان باب الذل من جانب الغنى سموت إلى العلياء من جانب الفقر.
أشار إلى أن الطمع يوجب في الحال ذلا.
* * * ومنها الخلاص من مشاهدة الثقلاء والحمقى ومعاناة أخلاقهم، فإن رؤية الثقيل هي العمى الأصغر، قيل للأعمش: بم عمشت عيناك (2)؟ قال: بالنظر إلى الثقلاء.
ودخل على أبي حنيفة رحمه الله، فقال له: روينا في الخبر أن من سلب كريمتيه عوضه الله ما هو خير منهما، فما الذي عوضك؟ قال: كفاني رؤية ثقيل مثلك يمازحه.
وقال الشافعي رحمه الله: ما جالست ثقيلا إلا وجدت الجانب الذي يليه من بدني كأنه أثقل على من الجانب الآخر.
وهذه المقاصد وإن كان بعضها دنيويا، إلا أنها تضرب في الدين بنصيب، وذلك لان