وثانيها: الهنات المغفورة، وهي صغائر الذنوب، هكذا يفسر أصحابنا كلامه عليه السلام.
وثالثها: ما يتعلق بحقوق البشر بعضهم على بعض، فإن ذلك لا يتركه الله هملا، بل لا بد من عقاب فاعله، وإنما أفرد هذا القسم مع دخوله في القسم الأول لتميزه بكونه متعلقا بحقوق بني آدم بعضهم على بعض، وليس الأول كذلك.
فإن قلت: لفظه عليه السلام مطابق للآية، وهي قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾ (١) والآية ولفظه عليه السلام صريحان في مذهب المرجئة، لأنكم إذا فسرتم قوله: (لمن يشاء) بأن المراد به أرباب التوبة قيل لكم: فالمشركون هكذا حالهم يقبل توبتهم، ويسقط عقاب شركهم بها، فلأي معنى خصص المشيئة بالقسم الثاني وهو ما دون الشرك! وهل هذا إلا تصريح بأن الشرك لا يغفر لمن مات عليه، وما دونه من المعاصي إذا مات الانسان عليه لا يقطع له بالعقاب، ولا لغيره بل أمره إلى الله.
قلت: الأصوب في هذا الموضع ألا يجعل قوله: (لمن يشاء) معنيا به التائبون، بل نقول: المراد أن الله لا يستر في موقف القيامة من مات مشركا، بل يفضحه على رؤوس الاشهاد كما قال تعالى: ﴿ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم﴾ (2).
وأما من مات على كبيرة من أهل الاسلام، فإن الله تعالى يستره في الموقف، ولا يفضحه بين الخلائق، وإن كان من أهل النار، ويكون معنى المغفرة في هذه الآية الستر وتغطية حال العاصي في موقف الحشر، وقد يكون من أهل الكبائر ممن يقر بالاسلام