واحتج من رجح العزلة وآثرها على المخالطة بالآثار الكثيرة الواردة في ذلك نحو قول عمر: خذوا بحظكم من العزلة.
وقول ابن سيرين: العزلة عبادة.
وقول الفضيل: كفى بالله محبوبا، وبالقرآن مؤنسا، وبالموت واعظا! اتخذ الله صاحبا، ودع الناس جانبا.
وقال ابن الربيع الزاهد لداود الطائي: عظني، فقال: صم عن الدنيا، واجعل فطرك للآخرة، وفر من الناس فرارك من الأسد.
وقال الحسن: كلمات أحفظهن من التوراة: قنع ابن آدم فاستغنى، واعتزل الناس فسلم، ترك الشهوات فصار حرا، ترك الحسد فظهرت مروءته، صبر قليلا فتمتع طويلا.
وقال وهيب بن الورد: بلغنا أن الحكمة عشرة أجزاء، تسعة منها الصمت، والعاشر في العزلة عن الناس.
وقال يوسف بن مسلم لعلي بن بكار: ما أصبرك على الوحدة! وكان قد لزم البيت - فقال: كنت وأنا شاب أصبر على أشد من هذا، كنت أجالس الناس ولا أكلمهم.
وقال الثوري: هذا وقت السكوت وملازمة البيوت.
وقال بعضهم: كنت في سفينة. ومعنا شاب علوي، فمكث معنا سبعا لا نسمع له كلاما، فقلنا له: قد جمعنا الله وإياك منذ سبع، ولا نراك تخالطنا ولا تكلمنا! فأنشد:
قليل الهم لا ولد يموت * وليس بخائف أمرا يفوت قضى وطر الصبا وأفاد علما * فغايته التفرد والسكوت