ذكر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله في الامر بلزوم الجماعة، والنهى عن الاختلاف والفرقة.
ثم أمر عليه السلام بالعزلة، ولزوم البيت والاشتغال بالعبادة، ومجانبة الناس ومتاركتهم واشتغال الانسان بعيب نفسه عن عيوبهم.
وقد ورد في العزلة أخبار آثار كثيرة، واختلف الناس قديما وحديثا فيها، ففضلها قوم على المخالطة، وفضل قوم المخالطة عليها.
فممن فضل العزلة سفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم، وداود الطائي، والفضيل بن عياض، وسليمان الخواص، ويوسف بن أسباط، وبشر الحافي، وحذيفة المرعشي، وجمع كثير من الصوفية، وهو مذهب أكثر العارفين، وقول المتألهين من الفلاسفة.
وممن فضل المخالطة على العزلة ابن المسيب، والشعبي، وابن أبي ليلى، وهشام ابن عروة، وابن شبرمة، والقاضي شريح، وشريك بن عبد الله، وابن عيينة، وابن المبارك.
فأما كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيقتضى عند إمعان النظر فيه أن العزلة خير لقوم، وأن المخالطة خير لقوم آخرين على حسب أحوال الناس واختلافهم.
وقد احتج أرباب المخالطة يقول الله تعالى: ﴿فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا﴾ (١)، وبقوله: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا﴾ (2)، وهذا ضعيف، لان المراد بالآية تفرق الآراء واختلاف المذاهب في أصول الدين، والمراد