قلت: كأنه لم ير في بادئ الحال شرح صفات المتقين على التفصيل، فقال لهمام: ماهية التقوى معلومة في الجملة، فاتق الله وأحسن، فإن الله قد وعد في كتابه أن يكون وليا وناصرا لأهل التقوى والاحسان، وهذا كما يقول لك قائل: ما صفات الله الذي أعبده أنا والناس؟ فتقول له: لا عليك ألا تعرف صفاته مفصلة، بعد أن تعلم أنه خالق العالم، وأنه واحد لا شريك له! فلما أبى همام إلا الخوض فيما سأله على وجه التفصيل، قال له:
إن الله تعالى خلق الخلق حين خلقهم، ويروى: (حيث خلقهم) وهو غنى عن طاعتهم، لأنه ليس بجسم فيستضر بأمر أو ينتفع به.
وقسم بين الخلق معايشهم، كما قال سبحانه: ﴿نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا﴾ (1).
وفى قوله: (وضعهم مواضعهم) معنى قوله: (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) (1)، فكأنه عليه السلام أخذ الألفاظ، فألغاها وأتى بمعناها.
فلما فرغ من هذه المقدمة شرع في ذكر صفات المتقين، فقال: إنهم أهل الفضائل.
ثم بين ما هذه الفضائل، فقال: (منطقهم الصواب).
فإن قلت: أي فائدة في تقديم تلك المقدمة، وهي كون البارئ سبحانه غنيا لا تضره المعصية، ولا تنفعه الطاعة!.
قلت: لأنه لما تضمنت الخطبة مدح الله تعالى للمتقين وما أعده لهم من الثواب، وذمه للعاصين وما أعده لهم من العقاب العظيم، فربما يتوهم متوهم أن الله تعالى ما رغب في الطاعة