قوله: (نزلت أنفسهم منهم في البلاء، كالذي نزلت في الرخاء)، يعنى أنهم قد طابوا نفسا في البلاء والشدة كطيب أنفسهم بأحوالهم في الرخاء والنعمة، وذلك لقلة مبالاتهم بشدائد الدنيا ومصائبها، وتقدير الكلام من جهة الاعراب: نزلت أنفسهم منهم في حال البلاء نزولا كالنزول الذي نزلته منهم في حال الرخاء، فموضع (كالذي) نصب، لأنه صفة مصدر محذوف، والموصول قد حذف العائد إليه، وهو الهاء في (نزلته) كقولك: ضربت الذي ضربت، أي ضربت الذي ضربته.
ثم قال عليه السلام: إنهم من شدة شوقهم إلى الجنة، ومن شدة خوفهم من النار، تكاد أرواحهم أن تفارق أجساد هم، لولا أن الله تعالى ضرب لهم آجالا ينتهون إليها.
ثم ذكر أن الخالق لما عظم في أعينهم استصغروا كل شئ دونه، وصاروا لشدة يقينهم ومكاشفتهم، كمن رأى الجنة فهو يتنعم فيها، وكمن رأى النار وهو يعذب فيها، ولا ريب أن من يشاهد هاتين الحالتين، يكون على قدم عظيمة من العبادة والخوف والرجاء، وهذا مقام جليل، ومثله قوله عليه السلام في حق نفسه: (لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا). والواو في (والجنة) واو (مع)، وقد روى بالعطف بالرفع على أنه معطوف على (هم)،. الأول أحسن.
ثم وصفهم بحزن القلوب ونحافة الأجسام، وعفة الأنفس وخفة الحوائج، وأن شرورهم مأمونة على الناس، وأنهم صبروا صبرا يسيرا أعقبهم نعيما طويلا.
ثم ابتدأهم فقال: تجارة مربحة، أي تجارتهم تجارة مربحة، فحذف المبتدأ. وروى: (تجارة مربحة)، بالنصب على أنه مصدر محذوف الفعل.
قوله: (أما الليل) بالنصب على الظرفية، وروى (أما الليل) على الابتداء.
قوله: (تالين)، منصوب على أنه حال، إما من الضمير المرفوع بالفاعلية في (صافون) أو من الضمير المجرور بالإضافة في: (أقدامهم).