واعلموا أنه لن يرضى عنكم بشئ سخطه على من كان قبلكم، ولن يسخط عليكم بشئ رضيه ممن كان قبلكم، وإنما تسيرون في أثر بين، وتتكلمون برجع قول قد قاله الرجال من قبلكم.
قد كفاكم مؤونة دنياكم، وحثكم على الشكر، وافترض من ألسنتكم الذكر، وأوصاكم بالتقوى، وجعلها منتهى رضاه، وحاجته من خلقه.
فاتقوا الله الذي أنتم بعينه، ونواصيكم بيده، وتقلبكم في قبضته، إن أسررتم علمه، وأن أعلنتم كتبه، قد وكل بكم حفظة كراما، لا يسقطون حقا، ولا يثبتون باطلا.
واعلموا أنه من يتق الله يجعل له مخرجا من الفتن، ونورا من الظلم، ويخلده فيما اشتهت نفسه، وينزله منزلة الكرامة عنده، في دار اصطنعها لنفسه، ظلها عرشه، ونورها بهجته، وزوارها ملائكته، ورفقاؤها رسله.
فبادروا المعاد، وسابقوا الآجال، فإن الناس يوشك أن ينقطع بهم الامل، ويرهقهم الاجل، ويسد عنهم باب التوبة، فقد أصبحتم في مثل ما سأل (1) إليه الرجعة من كان قبلكم، وأنتم بنو سبيل، على سفر من دار ليست بداركم، وقد أوذنتم منها بالارتحال، وأمرتم فيها بالزاد.
* * * الشرح:
جعل القرآن آمرا وزاجرا لما كان خالقه - وهو الله سبحانه - آمرا زاجرا به، فأسند الامر والزجر إليه، كما تقول: سيف قاتل، وإنما القاتل الضارب به، وجعله صامتا ناطقا، لأنه - من حيث هو حروف وأصوات - صامت، إذ كان العرض يستحيل أن يكون ناطقا