ما فيه صلاحنا، فقد أحسن إلينا، ومن جملة صلاحنا تعريفنا من الشرعيات ما فعله لطف ومفض بنا إلى الثواب، وهذا أبلغ ما يكون من الاحسان، والمحسن يجب تعظيمه وشكره.
قال: لم يترك شيئا إلا وجعل له نصا ظاهرا يدل عليه، أو علما يستدل به عليه، أي إما منصوص عليه صريحا، أو يمكن أن يستنبط حكمه من القرآن، إما بذكره أو بتركه، فيبقى على البراءة الأصلية، وحكم العقل.
قوله: (فرضاه فيما بقي واحد) معناه أن ما لم ينص عليه صريحا، بل هو في محل النظر، ليس يجوز للعلماء أن يجتهدوا فيه، فيحله بعضهم، ويحرمه بعضهم، بل رضا الله سبحانه أمر واحد، وكذلك سخطه، فليس يجوز أن يكون شئ من الأشياء يفتى فيه قوم بالحل وقوم بالحرمة، وهذا قول منه عليه السلام بتحريم الاجتهاد، وقد سبق منه عليه السلام مثل هذا الكلام مرارا.
قوله: (واعلموا أنه ليس يرضى عنكم...)، الكلام إلى منتهاه، معناه أنه ليس يرضى عنكم بالاختلاف في الفتاوى والاحكام، كما اختلف الأمم من قبلكم، فسخط اختلافهم قال سبحانه: ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شئ﴾ (1).
وكذلك ليس يسخط عليكم بالاتفاق والاجتماع الذي رضيه ممن كان قبلكم من القرون.
ويجوز أن يفسر هذا الكلام بأنه لا يرضى عنكم بما سخطه على الذين من قبلكم من الاعتقادات الفاسدة في التوحيد والعدل، ولا يسخط عليكم بما تعتقدونه من الاعتقادات الصحيحة التي رضيها ممن كان قبلكم في التوحيد والعدل، فيكون الكلام مصروفا إلى الأصول لا إلى الفروع.