فخرج يسير، وخرج معه معاوية يودعه، فقال له معاوية عند وداعه إياه: أوصيك بتقوى الله يا عمرو، وبالرفق فإنه يمن، وبالتؤدة فإن العجلة من الشيطان، وبأن تقبل من أقبل، وتعفو عمن أدبر، أنظره فإن تاب وأناب قبلت منه، وإن أبى فإن السطوة بعد المعرفة أبلغ في الحجة، وأحسن في العاقبة. وادع الناس إلى الصلح والجماعة، فإن أنت ظفرت فليكن أنصارك أبر الناس عندك، وكل الناس فأول حسنا.
* * * قال: فسار عمرو في الجيش، حتى دنا من مصر، فاجتمعت إليه العثمانية، فأقام وكتب إلى محمد بن أبي بكر:
أما بعد، فتنح عنى بدمك يا بن أبي بكر، فإني لا أحب أن يصيبك منى ظفر، وإن الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على خلافك ورفض أمرك، وندموا على اتباعك، وهم مسلموك لو قد التقت حلقتا البطان، فأخرج منها فإني لك من الناصحين. والسلام.
قال: وبعث عمرو إلى محمد مع هذا الكتاب كتاب معاوية إليه، وهو:
أما بعد، فإن غب الظلم والبغي عظيم الوبال، وإن سفك الدم الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا والتبعة الموبقة في الآخرة، وما نعلم أحدا كان أعظم على عثمان بغيا، ولا أسوا له عيبا، ولا أشد عليه خلافا منك، سعيت عليه في الساعين، وساعدت عليه مع المساعدين، وسفكت دمه مع السافكين، ثم تظن أنى نائم عنك، فتأتي بلدة فتأمن فيها وجل أهلها أنصاري، يرون رأيي، ويرفضون قولك، ويستصرخونني عليك. وقد بعثت إليك قوما حناقا عليك، يسفكون دمك، يتقربون إلى الله عز وجل بجهادك، وقد أعطوا الله عهدا ليقتلنك، ولو لم يكن منهم إليك ما قالوا لقتلك، الله بأيديهم أو بأيدي غيرهم من أوليائه، وأنا أحذرك وأنذرك، فإن الله مقيد منك، ومقتص لوليه وخليفته بظلمك له، وبغيك عليه