طرداء للموت (١)، وإن قمتم أخذكم، وإن هربتم أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم، معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، فأكثروا ذكر الموت عندما تنازعكم إليه أنفسكم من الشهوات، فإنه كفى بالموت واعظا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أكثروا ذكر الموت فإنه هادم اللذات) واعلموا عباد الله أن ما بعد الموت أشد من الموت، لمن لم يغفر الله له ويرحمه.
واحذروا القبر وضمته وضيقه وظلمته، فإنه الذي يتكلم كل يوم: أنا بيت التراب، وأنا بيت الغربة، وأنا بيت الدود والقبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار.
إن المسلم إذا مات قالت له الأرض: مرحبا وأهلا، قد كنت ممن أحب أن تمشى على ظهري، فإذ وليتك فستعلم كيف صنعي بك! فيتسع له مد بصره. وإذا دفن الكافر قالت له الأرض: لا مرحبا ولا أهلا، قد كنت ممن أبغض أن تمشى على ظهري، فإذ وليتك فستعلم كيف صنعي بك! فتنضم عليه حتى تلتقي أضلاعه واعلموا أن المعيشة الضنك التي قال سبحانه: ﴿فإن له معيشة ضنكا﴾ (2) هي عذاب القبر، فإنه يسلط على الكافر في قبره حياة عظام تنهش لحمه حتى يبعث، لو أن تنينا منها نفخ الأرض ما أنبت الزرع أبدا اعلموا عباد الله أن أنفسكم وأجسادكم الرقيقة الناعمة التي يكفيها اليسير من العقاب ضعيفة عن هذا، فإن استطعتم أن ترحموا أنفسكم وأجسادكم مما لا طاقة لكم به، ولا صبر لكم عليه، فتعملوا بما أحب الله سبحانه وتتركوا ما كره، فافعلوا ولا حول ولا قوة إلا بالله!
واعلموا عباد الله، أن ما بعد القبر أشد من القبر، يوم يشيب فيه الصغير، ويسكر فيه