ومحمد بن أبي بكر يومئذ أميرها قد ناصبه هؤلاء النفر الحرب، وهم هائبون الاقدام عليه، فدفع الكتاب إلى مسلمة بن مخلد، فقرأه فقال: الق به معاوية بن حديج، ثم القنى به حتى أجيب عنى وعنه. فانطلق الرسول بكتاب معاوية فأقرأه إياه، ثم قال له: إن مسلمة قد أمرني أن أرد الكتاب إليه لكي يجيب عنك وعنه. قال: قل له فليفعل، فأتى مسلمة بالكتاب فكتب الجواب عنه وعن معاوية بن حديج: أما بعد، فإن هذا الامر الذي قد ندبنا له أنفسنا، وابتغينا الله به على عدونا أمر نرجو به ثواب ربنا، والنصر على من خالفنا، وتعجيل النقمة على من سعى على إمامنا، وطأطأ الركض في مهادنا، ونحن بهذه الأرض قد نفينا من كان بها من أهل البغي، وأنهضنا من كان بها من أهل القسط والعدل.
وقد ذكرت موازرتك في سلطانك وذات يدك، وبالله إنه لا من أجل مال نهضنا، ولا إياه أردنا، فإن يجمع الله لنا ما نريد ونطلب، أو يرينا ما تمنينا، فإن الدنيا والآخرة لله رب العالمين، وقد يثوبهما الله جميعا عالما من خلقة، كما قال في كتابه: (فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين). (1) عجل لنا بخيلك ورجلك، فإن عدونا قد كان علينا جريئا (2) وكنا فيهم قليلا، وقد أصبحوا لنا هائبين، وأصبحنا لهم منابذين، فإن يأتنا مدد من قبلك بفتح الله عليك، ولا قوه إلا بالله، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
قال: فجاء هذا الكتاب معاوية وهو يومئذ بفلسطين، فدعا النفر الذين سميناهم من قريش وغيرهم، وأقرأهم الكتاب، وقال لهم: ماذا ترون؟ قالوا: نرى أن تبعث إليهم جيشا من قبلك فأنت مفتتحها، أن شاء الله بإذن الله.
قال معاوية: فتجهز إليها يا أبا عبد الله - يعنى عمرو بن العاص - فبعثه في ستة آلاف