وكتبه عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله لغرة شهر رمضان سنة ست وثلاثين.
قال إبراهيم: ثم قام محمد بن أبي بكر خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد، فالحمد لله الذي هدانا وإياكم لما اختلف فيه من الحق، وبصرنا وإياكم كثيرا مما عمى عنه الجاهلون. ألا وإن أمير المؤمنين ولاني أموركم، وعهد إلى بما سمعتم، وأوصاني بكثير منه مشافهة، ولن آلوكم خيرا ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. فإن يكن ما ترون آثاري وأعمالي طاعة لله وتقوى، فاحمدوا الله على ما كان من ذلك، فإنه هو الهادي إليه، فإن رأيتم من ذلك عملا بغير الحق، فارفعوه إلى، وعاتبوني عليه، فإني بذلك أسعد وأنتم بذلك جديرون. وفقنا الله وإياكم لصالح العمل.
* * * قال إبراهيم: وحدثني يحيى بن صالح، عن مالك بن خالد الأسدي، عن الحسن بن إبراهيم، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال: كتب علي عليه السلام إلى أهل مصر لما بعث محمد بن أبي بكر إليهم كتابا يخاطبهم به (1)، ويخاطب محمدا أيضا فيه:
أما بعد، فإني أوصيكم بتقوى الله في سر أمركم وعلانيته، وعلى أي حال كنتم عليها، وليعلم المرء منكم أن الدنيا دار بلاء وفناء، والآخرة دار جزاء وبقاء، فمن استطاع أن يؤثر ما يبقى على ما يفنى فليفعل، فإن الآخرة تبقى، والدنيا تفنى. رزقنا الله وإياكم بصرا لما بصرنا، وفهما لما فهمنا، حتى لا نقصر عما أمرنا، ولا نتعدى إلى ما نهانا. واعلم يا محمد أنك وإن كنت محتاجا إلى نصيبك من الدنيا إلا أنك إلى نصيبك من الآخرة، أحوج، فإن عرض لك أمران: أحدهما للآخرة والاخر للدنيا، فابدأ بأمر الآخرة، ولتعظم رغبتك في الخير، ولتحسن فيه نيتك، فإن الله عز وجل يعطى العبد على قدر نيته، وإذا أحب الخير وأهله ولم يعمله، كان إن شاء الله كمن عمله، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين رجع من تبوك: إن بالمدينة لأقواما ما سرتم من مسير، ولا هبطتم من واد إلا