الأصل:
ومنها:
قدر ما خلق فأحكم تقديره، ودبره فألطف تدبيره، ووجهه لوجهته فلم يتعد حدود منزلته، ولم يقصر دون الانتهاء إلى غايته، ولم يستصعب إذ أمر بالمضي على إرادته، فكيف وإنما صدرت الأمور عن مشيئته! المنشئ أصناف الأشياء بلا روية فكر آل إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من حوادث الدهور، ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور، فتم خلقه بأمره وأذعن لطاعته، وأجاب إلى دعوته، لم يعترض دونه ريث المبطئ، ولا أناة المتلكئ، فأقام من الأشياء أودها، ونهج حدودها، ولاءم بقدرته بين متضادها، ووصل أسباب قرائنها، وفرقها أجناسا مختلفات، في الحدود والاقدار، والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد وابتدعها.
* * * الشرح:
الوجهة، بالكسر: الجهة التي يتوجه نحوها، قال تعالى: (ولكل وجهة هو موليها).
والريث: البطء والمتلكئ: المتأخر. والأود: الاعوجاج. ولاءم بين كذا وكذا: أي جمع، والقرائن هنا: الأنفس، واحدتها قرونة، وقرينة، يقال: سمحت قرينته وقرونته، أي أطاعته نفسه وذلت، وتابعته على الامر، وبدايا. هاهنا: جمع بدية،