فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع، لأنه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له، وإن منعه منعه ما ليس له.
قوله: (وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل) فيه معنى لطيف، وذاك لان هذا المعنى مما يختص بالبشر، لأنهم يتحركون بالسؤال وتهزهم الطلبات، فيكونون بما سألهم السائل أجود منهم بما لم يسألهم إياه، وأما الباري سبحانه فإن جوده ليس على هذا المنهاج، لان جوده عام في جميع الأحوال.
ثم ذكر أن وجوده تعالى ليس بزماني، فلا يطلق عليه البعدية والقبلية، كما يطلق على الزمانيات، وإنما لم يكن وجوده زمانيا لأنه لا يقبل الحركة، والزمان من لواحق الحركة، وإنما لم تطلق عليه البعدية والقبلية إذ لم يكن زمانيا، لان قولنا في الشئ: إنه بعد الشئ الفلاني أي الموجود في زمان حضر بعد تقضى زمان ذلك الشئ الفلاني وقولنا في الشئ: إنه قبل الشئ الفلاني أي إنه موجود في زمان حضر ولم يحضر زمان ذلك الشئ الفلاني بعد، فما ليس في الزمان ليس يصدق عليه القبل والبعد الزمانيان، فيكون تقدير الكلام على هذا: الأول الذي لا يصدق عليه القبلية الزمانية، ليمكن أن يكون شئ ما قبله، والاخر الذي لا يصدق عليه البعدية الزمانية، ليمكن أن يكون شئ ما بعده.
وقد يحمل الكلام على وجه آخر أقرب متناولا من هذا الوجه، وهو أن يكون أراد: الذي لم يكن محدثا، أي موجودا قد سبقه عدم، فيقال إنه مسبوق بشئ من الأشياء إما المؤثر فيه أو الزمان المقدم عليه، وأنه ليس بذات يمكن فناؤها وعدمها فيما لا يزال، فيقال: إنه ينقضي وينصرم، ويكون بعده شئ من الأشياء، إما الزمان أو غيره، والوجه الأول أدق وألطف، ويؤكد كونه مرادا قوله عقيبه: (ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال)، وذلك لان واجب الوجود أعلى من الدهر والزمان، فنسبة ذاته إلى الدهر والزمان بجملته وتفصيل أجزائه نسبة متحدة.