بغير اختياركم سوقا عنيفا. ثم قال (من لم يعنه الله على نفسه حتى يجعل له منها واعظا وزاجرا لم ينفعه الزجر والوعظ من غيرها) أخذ هذا المعنى شاعر فقال:
وأقصرت عما تعهدين وزاجر * من النفس خير من عتاب العواذل فإن قلت: أليس في هذا الكلام إشعار ما بالجبر؟
قلت: إنه لا خلاف بين أصحابنا في إن لله تعالى ألطافا يفعلها بعباده، فيقربهم من الواجب، ويبعدهم من القبيح، ومن يعلم الله تعالى من حاله أنه لا لطف له لان كل ما يعرض لطفا له فإنه لا يؤثر في حاله ولا يزداد به إلا إصرارا على القبيح والباطل، فهو الذي عناه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: (من لم يعن على نفسه)، لأنه ما قبل المعونة ولا انقاد إلى مقتضاها، وقد روى: (واعلموا أنه من لم يعن على نفسه)، بكسر العين أي من لم يعن الواعظين له والمنذرين على نفسه، ولم يكن معهم إلبا عليها وقاهرا، لها لم ينتفع بالوعظ والزجر، لان هوى نفسه يغلب وعظ كل واعظ وزجر كل زاجر.