وأصفيتم به: منحتموه، من الصفي وهو ما يصطفيه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة، يقال: صفي وصفية.
وخلاصة هذا الكلام أن جميع ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله قاله لأصحابه قد قلت مثله لكم، فأطاع أولئك وعصيتم أنتم، وحالكم مساوية لحالهم.
قلت: لو أن مجيبا منهم يجيبه لأمكن أن يقول له المخاطبون: وإن كانوا نوعا واحدا متساويا، إلا أن المخاطب مختلف الحال، وذلك لأنك وإن كنت ابن عمه في النسب وأخاه ولحمه ودمه، وفضائلك مشتقة من فضائله، وأنت قبس من نوره وثانيه على الحقيقة، ولا ثالث لكما، إلا إنك لم ترزق القبول الذي رزقه، ولا انفعلت نفوس الناس لك حسب انفعالها له: وتلك خاصية النبوة التي امتاز بها عنك، فإنه كان لا يسمع أحد كلامه إلا أحبه ومال إليه، ولذلك كانت قريش تسمى المسلمين قبل الهجرة الصباة، ويقولون: نخاف أن يصبو الوليد بن المغيرة إلى دين محمد صلى الله عليه وآله، ولئن صبا الوليد وهو ريحانة قريش لتصبون قريش بأجمعها. وقالوا فيه: ما كلامه إلا السحر، وإنه ليفعل بالألباب فوق ما تفعل الخمر، ونهوا صبيانهم عن الجلوس إليه لئلا يستميلهم بكلامه وشمائله، وكان إذا صلى في الحجر وجهر يجعلون أصابعهم في آذانهم خوفا أن يسحرهم ويستميلهم بقراءته وبوعظه وتذكيره، هذا هو معنى قوله تعالى: (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم).
ومعنى قوله: ﴿وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفورا﴾ (2)، لأنهم كانوا يهربون إذا سمعوه يتلو القرآن، خوفا أن يغير عقائدهم في أصنامهم، ولهذا