فيه، ولكنه أخبر عن خلقه، ظانا أن الخلافة لا تصلح إلا لشديد الشكيمة، العظيم الوعورة.
وبمقتضى ما كان يظنه من هذا المعنى، تمم خلافة أبى بكر بمشاركته إياه في جميع تدبيراته وسياسته وسائر أحواله، لرفق وسهولة كانت في أخلاق أبى بكر، وبمقتضى هذا الخلق المتمكن عنده، كان يشير على رسول الله صلى الله عليه وآله في مقامات كثيرة وخطوب متعددة، بقتل قوم كان يرى قتلهم، وكان النبي صلى الله عليه وآله يرى استبقاءهم واستصلاحهم، فلم يقبل عليه السلام مشورته على هذا الخلق.
وأما إشارته عليه يوم بدر بقتل الأسرى حيث أشار أبو بكر بالفداء، فكان الصواب مع عمر ونزل القرآن بموافقته، فلما كان في اليوم الثاني وهو يوم الحديبية أشار بالحرب، وكره الصلح، فنزل القرآن بضد ذلك، فليس كل وقت يصلح تجريد السيف، ولا كل وقت يصلح إغماده، والسياسة لا تجرى على منهاج واحد ولا تلزم نظاما واحدا.
وجملة الامر أنه رضي الله عنه لم يقصد عيب علي عليه السلام، ولا كان عنده معيبا، ولا منقوصا. ألا ترى أنه قال في آخر الخبر: (إن أحراهم وليها أن يحملهم على كتاب الله وسنة رسوله لصاحبك)، ثم أكد ذلك بأن قال: (إن وليهم ليحملنهم على المحجة البيضاء والصراط المستقيم)، فلو كان أطلق تلك اللفظة، وعنى بها ما حملها عليه الخصوم، لم يقل في خاتمة كلامه ما قاله.
* * * وأنت إذا تأملت حال علي عليه السلام في أيام رسول الله صلى الله عليه وآله، وجدته بعيدا عن أن ينسب إلى الدعابة والمزاح، لأنه لم ينقل عنه شئ من ذلك أصلا، لا في كتب الشيعة ولا في كتب المحدثين، وكذلك إذا تأملت حاله في أيام الخليفتين أبى بكر وعمر، لم تجد في كتب السيرة حديثا واحدا يمكن أن يتعلق به متعلق في دعابته ومزاحه، فكيف يظن